http://dc03.arabsh.com/i/01341/ayu982zbs7xb.jpgالآن، وبعد ان هدأ غبار زيارة السيد وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي
الاشتراكي للعاصمة السورية دمشق ولقائه مع الرئيس السوري بشار الاسد لاكثر
من ساعة ونصف الساعة بعد سنوات من القطيعة والعداء، كاد السيد جنبلاط ان
يدفع حياته ثمنا لها اسوة بآخرين، لا بد ان يتبصر الزعماء اللبنانيون
بمعاني هذه الزيارة، ويستخلصون الدروس منها، وتعديل سياساتهم ومواقفهم على
اساسها.
السيد جنبلاط اعترف بانه شعر بالارتباك اثناء اللحظات الاولى من
لقائه مع الرئيس الاسد، بسبب ما وجهه اليه من شتائم والفاظ نابية، واحيانا
بذيئة، في ذروة الخلاف، ولكن الرئيس الاسد بادره بالمزاح لكسر الجليد،
والبدء في مباحثات سياسية تؤسس لعلاقات جديدة بين الجانبين.
هذا
الاعتراف مهم، ويعيد تذكير السياسيين، واللبنانيين منهم على وجه التحديد،
بابجديات العمل السياسي، التي تنص على انه لا توجد عداوات دائمة، وان
الظروف والتحالفات قابلة للتغيير بمضي الوقت، الامر الذي يتطلب الحذر،
واختيار الكلمات بعناية، والابتعاد عن التجريح الشخصي او السياسي.
السياسيون
العرب يجب ان يتوقفوا عند هذا الاعتراف ومعانيه ايضا، فالبعض منهم يبالغ
في عدائه للآخرين، سواء من خلال اطلاق تصريحات عدائية، او الايعاز لابواقه
الاعلامية بالاقدام على وصلات ردح من العيار الثقيل للخصوم، والخوض في
الاعراض والقضايا الشخصية.
لا نعرف ما جرى في المحادثات المغلقة بين
السيدين الاسد وجنبلاط، مثلما لا نعتقد ان مدة اللقاء التي استغرقت تسعين
دقيقة تكفي لبحث الخلافات والقضايا التي ادت اليها، وهي قضايا معقدة تداخل
فيها العام بالخاص، والشؤون الداخلية بالتدخلات الخارجية، لكن ما يمكن
استنتاجه هو ان الطرف السوري كان يريد مصالحة دائمة تقوم على اسس وتفاهمات
استراتيجية، وليس فقط عتابا شخصيا، 'وعفا الله عما سلف'.
بمعنى آخر يريد
الطرف السوري ضمانات بتحالف راسخ يصب في مصلحة دعم المقاومة اللبنانية في
مثل هذا الظرف الحرج الذي تطغى فيه احتمالات الحرب الاقليمية، وتستعد فيه
اسرائيل لشن عدوان على لبنان في محاولة للثأر من هزيمتها النكراء التي منيت
بها اثناء عدوانها الاخير صيف العام 2006.
السيد جنبلاط يريد في
المقابل ضمانات سورية تحفظ حقوق طائفته، وتعترف بدوره في اللعبة السياسية
اللبنانية كطرف اصيل، وليس كابن عاق شق عصا الطاعة على معسكره القومي
واليساري، وانضم الى طرف آخر بسبب سوء حسابات محلية وتحريض اقليمي ودولي.
لا
يعيب السيد جنبلاط ان يتراجع، ولا يقلل من شأن سورية ومكانتها ان تغفر له
بعض هفواته، فالاول اثبت نظرة سياسية واقعية مرنة، والثانية اكدت على كبرها
وترفعها على بعض الصغائر، ورغبتها في تحصين جبهتها الداخلية، على اعتبار
ان لبنان جزء اصيل منها.
المنطقة العربية تقف حاليا امام مرحلة صعبة،
ولا نبالغ اذا قلنا انها مصيرية ايضا، مما يتطلب من الجميع، صغارا كانوا ام
كبارا التصرف بطريقة مختلفة ومسؤولة، وتصريحات السيد جنبلاط التي اكد فيها
دعمه للمقاومة، ووقوفه الى جانب خيارها هو الموقف الصحيح الذي يجب ان
يتبناه المعسكر اللبناني الآخر الذي خرج منه السيد جنبلاط، وكان هذا الخروج
بمثابة الزلزال في السياسة اللبنانية.